في تطور بارز ضمن استراتيجيات الهجرة والتوظيف، أفادت الحكومة الإيطالية برئاسة جورجيا ميلوني بإصدار مرسوم جديد يتيح دخول نصف مليون عامل أجنبي إلى البلاد في الفترة القادمة من عام 2026 إلى عام 2028. هذا القرار، الذي تم الإعلان عنه رسميًا في الثلاثين من يونيو 2025، يعكس حاجة إيطاليا المُلِحّة إلى يد عاملة في قطاعات حيوية، ويسعى لمعالجة النقص المتزايد في الكفاءات، عبر تنظيم قانوني ومدروس لاستقدام العمال من خارج أوروبا.
اقرأ أيضا: أفضل المهن المطلوبة في ألمانيا لعام 2025 مع الرواتب: فرص واعدة في سوق العمل الألماني
خارطة الطريق الجديدة للهجرة المهنية إلى إيطاليا
المرسوم الجديد لا يكتفي بتحديد الأعداد، بل يضع إطارًا عمليًا لتوزيعها، من خلال تخصيص حصص للعمال الموسميين وغير الموسميين، إضافة إلى العمال المستقلين. وقد جاء هذا القرار نتيجة مشاورات واسعة مع ممثلي النقابات، والغرف التجارية، وقطاعات الإنتاج المختلفة، ما يجعل منه خطة قائمة على الاحتياج الفعلي وليس مجرد توجه سياسي.
من المرتقب أن يُخصص جزء من هذه الوظائف للعمال الموسميين في قطاعات مثل الزراعة والسياحة، فيما سيُمنح الآخرون فرصًا في مجالات أكثر استقرارًا كالخدمات والصناعة، بالإضافة إلى التوظيف لحسابهم الخاص في مجالات الحرف والمهن التقنية. وتعكس هذه الخطوة رغبة الدولة الإيطالية في بناء نموذج هجرة قانوني طويل الأمد، يُسهم في سد العجز المزمن في سوق العمل، ويحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية التي ترهق الشواطئ الأوروبية.
إلغاء نظام “أيام النقر” وتسهيل الإجراءات
واحدة من أبرز التغييرات التي جاء بها المرسوم هي التخلّي عن نظام “أيام النقر”، وهو النظام الذي كان يُلزم المتقدمين بتقديم طلبات العمل في وقت إلكتروني محدد، ما كان يُصعّب على العديد من الراغبين التقديم، ويؤدي إلى فوضى في معالجة الطلبات. وبدلًا من ذلك، سيتبنى النظام الجديد آلية تقديم مرنة تعتمد على فتح التقديم بشكل دائم للمهن ذات النقص الحاد.
كما تسعى الحكومة إلى تعزيز برامج التدريب المهني في بلدان المنشأ، بحيث يصل العمال إلى إيطاليا وهم جاهزون مهنيًا للتكيف مع متطلبات سوق العمل المحلي، مما يرفع من فرص اندماجهم ونجاحهم في وظائفهم الجديدة.
موقف النقابات والجهات المعارضة
لاقى القرار ترحيبًا من طرف العديد من النقابات، وعلى رأسها نقابة المزارعين الإيطالية، التي أكدت أن هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على دورة الإنتاج الزراعي في البلاد، خصوصًا وأن إيطاليا تعتمد بشكل كبير على اليد العاملة الأجنبية خلال المواسم الزراعية. وقد طالبت النقابة بتوسيع نطاق القرار ليشمل تقديم الطلبات في أي وقت من السنة، دون الارتباط بمواسم معينة.
في المقابل، عبّرت بعض الجهات السياسية المعارضة عن مخاوفها من أن المرسوم قد يبقى حبرًا على ورق، إذا لم يترافق مع إصلاحات قانونية وإدارية، تسهل فعليًا إصدار تصاريح الإقامة والعمل. واعتبر زعيم حزب “أوروبا +”، ريكاردو ماجي، أن النظام الحالي لا يزال معقدًا وغير مرن، مطالبًا بتعديل قانون “بوسي-فيني” الذي يُعتبر من أبرز القوانين المنظمة للهجرة في إيطاليا.
الفجوة بين القرارات والتنفيذ
رغم الطموح الكبير للمرسوم، تشير أرقام السنوات السابقة إلى وجود فجوة مقلقة بين الحصص المحددة والطلبات التي تُحوّل فعليًا إلى تصاريح إقامة وعقود عمل. ففي السنة 2024، تم إصدار تصاريح لحوالي 9300 فقط من أصل أكثر من 119 ألف حصة، مما يعني أن نسبة التحويل لم تتجاوز 8 في المئة. أما في عام 2023، فقد بلغت النسبة 13 بالمئة. هذا يمثل تحديًا حقيقيًا أمام الحكومة، ويتطلب منها تعزيز الهيكل الإداري، وتسريع الإجراءات الإلكترونية، وربط توزيع الحصص بالتوظيف الفعلي.
إيطاليا بين الحاجة الاقتصادية والاعتبارات الإنسانية
تعكس هذه الخطوة الحكومية واقعًا اقتصاديًا لا يمكن تجاهله: الاقتصاد الإيطالي يعاني من نقص متزايد في اليد العاملة، خاصة في قطاعات الزراعة، البناء، السياحة، والصناعة. وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى تقديم بدائل آمنة وقانونية للهجرة، بهدف تقليل المخاطر المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر.
وقد أعربت المفوضية الأوروبية لشؤون الهجرة عن تأييدها لهذا الاتجاه، مشيرةً إلى أن الهجرة النظامية تمثل دعامة للتنمية، إذا تم إدارتها بشكل جيد.
خطوة نحو اندماج حقيقي
من بين المؤشرات الإيجابية في المرسوم هو إدماج اللاجئين ضمن آليات الاستقطاب، عبر برامج خاصة تتيح لهم الحصول على فرص تدريب وتوظيف في قطاعات ذات خصاص، مما يُمكّنهم من بناء حياة جديدة في بلد آمن. وتشمل هذه المبادرات الشراكة مع منظمات دولية لتحديد الكفاءات المهنية لدى اللاجئين في بلدان العبور أو اللجوء، ثم دمجهم بشكل مباشر في سوق العمل الإيطالي.
اقرأ أيضا: الدراسة في اليابان: منحة دراسية ممولة من جامعة تويوهاشي في مجموعة من التخصصات
هل أنت مؤهل للاستفادة من هذه الفرص؟
لكي يستفيد المتقدم من الحصص الجديدة، من المتوقع أن يفي بعدد من الشروط المهنية والإدارية، منها التوفر على خبرة أو تدريب سابق في مجال العمل المطلوب، والاستجابة لمتطلبات اللغة في بتحظى بعض القطاعات بضرورة الخضوع لمرحلة الاختيار والتحقق الأمني. يُنصح الأفراد الراغبون في التقديم بمتابعة الإعلانات الرسمية التي ستنشرها وزارة الداخلية الإيطالية ووزارة العمل، عبر المواقع الرقمية أو السفارات المعترف بها.
المصدر: مهاجر نيوز
ختامًا
تشكل خطة إيطاليا الجديدة لاستقطاب نصف مليون عامل أجنبي من الخارج بوابة حقيقية نحو الهجرة الشرعية والمنظمة. هي فرصة لكل من يبحث عن حياة مستقرة في أوروبا من خلال العمل، بعيدًا عن مخاطر الهجرة غير النظامية. ومع ذلك، تبقى فاعلية هذه الخطة رهينة بسرعة التنفيذ، وشفافية الإجراءات، ومرونة القوانين التي يجب أن تواكب حاجيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد
الأسئلة الشائعة
هل يمكنني التقديم دون وجود عقد عمل مسبق؟
في العادة، سيكون من الضروري الحصول على عرض عمل موثوق به من جهة إيطالية. لكن بعض الحالات، خاصة ضمن الحصص الموسمية، قد تُعفى من هذا الشرط عبر وسيط رسمي.
هل هذه الفرص متاحة لجميع الجنسيات؟
نعم، فإن المرسوم لا يستثني أي جنسية، ولكن الأولوية تُعطى بناءً على الاحتياجات القطاعية، ومن خلال قنوات معينة بالتعاون مع الجهات الدولية.
هل يمكن تحويل تصريح العمل إلى إقامة دائمة؟
نعم، بعد مدة قانونية من الإقامة والعمل المنتظم، يمكن تقديم طلب لتجديد الإقامة أو الانتقال إلى إقامة طويلة الأمد.
هل يشمل القرار فرصًا لأفراد العائلة؟
هذا يتوقف على نوع عقد العمل ومدته، لكن في حالات كثيرة يمكن للمستفيدين طلب لم الشمل بعد استقرارهم.
ما هو مصير المهاجرين غير النظاميين؟
المرسوم يركز على الهجرة النظامية، ولكن النقاش حول تسوية أوضاع المقيمين غير النظاميين ما زال قائمًا ضمن مشاريع مستقبلية أخرى.