في خطوة أثارت نقاشًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، أعلنت إدارة مصنع سيارات فيات في مدينة كراجوييفاتس الصربية عن خططها لاستقدام عمال أجانب، خاصة من المغرب ونيبال. ويأتي هذا القرار في ظل النقص الملحوظ في العمالة المحلية، التي ترفض العمل بالأجور المعروضة، معتبرة أنها غير كافية لتغطية تكاليف المعيشة.
ورغم أن المدينة تضم ما يقارب 9 آلاف عاطل عن العمل، إلا أن العروض المقدمة من المصنع لم تلقَ قبولًا من السكان المحليين، ما سلط الضوء على أزمة الأجور وتحديات الاقتصاد المحلي.
الأجور المعروضة بين الواقع والتوقعات
أوضح رادومير إريتش، مستشار المدينة لشؤون الاقتصاد، أن هذه الخطوة ضرورية لاستمرار الإنتاج، نظرًا لغياب رغبة السكان في العمل بأجور تقدر بحوالي 70 ألف دينار صربي (نحو 663 دولارًا).
من جهته، نبه جوجوسلاف ريستيتش، قائد النقابة المستقلة في كراجوييفاتس ومصنع “زاستافا أوروغجي”، إلى أن الأجور الحالية لا تلبي احتياجات العمال الأساسية في المنطقة، مما يضطرهم إلى الامتناع عن قبول هذه الوظائف.
للمقارنة، يبلغ متوسط الراتب في صربيا نحو 108 آلاف دينار (1022 دولارًا)، بينما ينخفض قليلاً في مدينة كراجوييفاتس. أما عمال فيات، فيستطيعون الحصول على ما يقارب 90 ألف دينار (852 دولارًا) شهريًا فقط في حال عملهم يوم السبت الإضافي، مما يعني أنهم يتجاوزون ساعات العمل الأسبوعية المحددة.
هذه الفجوة بين الأجر المعروض ومتوسط الرواتب تفسر بشكل واضح عزوف العمال المحليين، خصوصًا في ظل ضغوط اقتصادية متزايدة وارتفاع تكاليف المعيشة.
لماذا المغرب ونيبال؟
أشار ريستيتش إلى أن المغرب، رغم تعداده السكاني البالغ 37 مليون نسمة، يمتلك ناتجًا محليًا إجماليًا أقل بثلاث مرات من صربيا، ما يجعل الأجور الصربية، رغم تواضعها محليًا، أكثر جاذبية للعمال المغاربة.
فيما يتعلق بالنبيال، التي تواجه ظروفًا اقتصادية مشابهة، فإن هجرة العمال إلى أوروبا تتيح لهم إمكانية كسب دخل أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بمتوسط الأجور في وطنهم الأصلي.
ويبدو أن هذه المعطيات تفسر سبب توجه فيات نحو استقطاب عمالة أجنبية، إذ أن ما يرفضه العامل الصربي يُعتبر فرصة ثمينة للعامل المغربي أو النيبالي.
التفاوت في الأجور مع العمال الأجانب
من المثير للاهتمام أن شركة فيات سبق لها أن جلبت عمالًا إيطاليين للعمل في صربيا، حيث حصل هؤلاء على أجور يومية تصل إلى 100 يورو (108 دولارات)، وهو رقم يفوق بكثير ما يتقاضاه العمال الصرب.
هذا التباين يعكس طبيعة السياسات المتبعة من قبل الشركات متعددة الجنسيات، التي توازن بين استمرارية الإنتاج وبين البحث عن عمالة أرخص، في ظل ضغوط اقتصادية محلية وعدم رضا النقابات.
هجرة العمال المهرة واستقدام بدائل
تتضاعف الأزمة مع استمرار هجرة العمال الصرب المهرة، خاصة في مجالات مثل اللحام، نحو دول أوروبية أخرى. ففي صربيا، يتقاضى العامل حوالي 2 يورو للساعة، بينما الأجر لنفس العمل في الخارج قد يصل إلى 8 يورو، أي أربعة أضعاف.
هذا الفارق الكبير في العائدات يفسر نزيف الكفاءات من الداخل نحو الخارج، ويجعل صربيا مضطرة لتعويض النقص عبر جلب عمالة أجنبية مستعدة للعمل بأجور يرفضها السكان المحليون.
في تجربة سابقة، قامت شركة “واكر نيوسون” بمحاولة استقدام 80 عامل لحام من الفلبين، إلا أن المشروع لم ينجح بسبب مشكلات تتعلق بالتسهيلات الضريبية، مما أظهر أن استقدام العمالة الأجنبية ليس بالضرورة حلاً سهلاً أو دائماً.
عن: moroccoworldnews.com
سياسة حكومية قائمة على التوازن
يعتقد بعض المحللين أن الحكومة الصربية تسعى إلى تحقيق توازن بين خروج الأفراد للعمل في الخارج وجذب عمال أجانب، مما يساعد في الحفاظ على سمعة صربيا كمنطقة ذات تكاليف عمل منخفضة. غير أن هذه السياسة قد تثير تساؤلات حول مدى استدامتها، خاصة في ظل رفض العمال المحليين للأجور المعروضة واستمرار تراجع جاذبية سوق العمل المحلي.
وفي النهاية، تبقى خطوة فيات مؤشراً واضحًا على التحديات الاقتصادية البنيوية التي تواجه صربيا، والتي لا تتعلق فقط بنسبة البطالة، بل أيضًا بمدى عدالة الأجور وملاءمتها لاحتياجات الحياة الكريمة.
اقرأ أيضا:فرصة عمل في بلجيكا: وظيفة خباز/حلواني في مدينة تيلت مع عقد دائم
الخلاصة
إن استقدام عمالة أجنبية من المغرب ونيبال إلى مصانع فيات في كراجوييفاتس ليس مجرد قرار إداري، بل هو انعكاس لأزمة أوسع يعيشها سوق العمل الصربي. فبينما يرفض المواطن المحلي العمل بأجور غير كافية، يجد العامل الأجنبي في نفس الأجر فرصة لتحسين وضعه الاقتصادي.
هذا التباين يثير نقاشًا عميقًا حول مستقبل السياسات الاقتصادية، ودور الحكومة في دعم العمال المحليين مقابل متطلبات السوق العالمية، فضلًا عن ضرورة معالجة الفجوة الكبيرة في الأجور بين صربيا والدول الأوروبية الأخرى.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. لماذا ترفض العمالة المحلية في صربيا الأجور المعروضة؟
لأنها لا تكفي لتغطية تكاليف المعيشة، خاصة وأن متوسط الأجور في البلاد أعلى مما تقدمه بعض المصانع مثل فيات.
2. ما السبب وراء جاذبية الأجور في صربيا بالنسبة للعمال من المغرب ونيبال؟
رغم انخفاضها محليًا، إلا أنها تبقى أعلى بكثير من متوسط الأجور في المغرب ونيبال، ما يجعلها فرصة لتحسين الدخل.
3. هل هذه السياسة جديدة في صربيا؟
ليست جديدة تمامًا، فقد سبق أن جلبت شركات عمالًا أجانب مثل الإيطاليين والفلبينيين، لكن التجارب لم تكن دائمًا ناجحة.
4. ما تأثير هذه الخطوة على العمال المحليين؟
قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي، إذ يشعر العمال المحليون أن الشركات تفضل جلب عمالة أجنبية بأجور منخفضة بدل تحسين ظروفهم.
5. هل يمكن أن يؤدي استقدام العمالة الأجنبية إلى حل أزمة البطالة؟
لا، لأن الأزمة مرتبطة أكثر بجاذبية الأجور وظروف العمل، وليس فقط بعدد الوظائف المعروضة.