في خطوة لافتة تحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن بلاده بصدد دراسة إجراءات جديدة تهدف إلى جذب الكفاءات العالمية، وخاصة المتضررة من القرار الأميركي الأخير المتعلق برفع رسوم تأشيرات العمل H-1B. وقد جاءت هذه التصريحات يوم 27 سبتمبر خلال مؤتمر صحفي عقده في المملكة المتحدة عقب مشاركته في قمة التقدم العالمي لعام 2025.
خلفية القرار الأميركي وتأثيراته
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وقع في 19 سبتمبر إعلاناً يقضي بفرض رسوم قدرها 100 ألف دولار على كل طلب جديد للحصول على تأشيرة العمل H-1B. هذه الخطوة شكلت صدمة كبيرة لشركات التكنولوجيا الأميركية التي تعتمد بشكل واسع على هذه التأشيرات لتوظيف أصحاب المهارات المتخصصة في مجالات البرمجة، الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والهندسة المتقدمة.
من المعروف أن تأشيرة H-1B تعد إحدى البوابات الأساسية أمام المهاجرين المؤهلين لدخول سوق العمل الأميركي، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا. وبالتالي، فإن رفع الرسوم إلى هذا الحد قد يؤدي إلى عزوف العديد من المهنيين والخبراء عن التقديم، وهو ما قد يقلص تدفق العقول المهاجرة نحو الولايات المتحدة.
اقرأ أيضا:فرصة عمل مميزة في بلجيكا: وظيفة عامل زراعي متعدد المهام مع إمكانية السكن
كندا تترقب وتستعد
من وجهة نظر كندا، يشكل هذا التحول فرصة ذهبية. فقد أوضح كارني أن الفئة المتضررة تضم أشخاصاً يتمتعون بخبرات عالية وروح ابتكارية، وغالباً ما يكونون مستعدين للانتقال بحثاً عن بيئة عمل مرنة وحاضنة للإبداع. وأكد أن بلاده تسعى إلى تعزيز مكانتها كوجهة مفضلة لهذه العقول، مستفيدة من السياسات المرنة نسبياً التي تتبناها في مجال الهجرة والعمل.
جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يلمح فيها كارني إلى هذا الموضوع، إذ سبق له في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك يوم 22 سبتمبر أن أشار إلى أن عدداً كبيراً من الباحثين الكنديين في الذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة يتجهون نحو الولايات المتحدة. وألمح حينها إلى أن أي تغيير في السياسات الأميركية قد يمنح كندا فرصة لاستعادة جزء من هذه الطاقات البشرية.
البرامج الكندية القائمة لجذب الكفاءات
كندا تعتمد بالفعل على مجموعة متنوعة من البرامج التي تهدف إلى استقطاب المواهب الأجنبية، ومن أبرزها:
- برنامج العمال الأجانب المؤقتين: يتيح للشركات الكندية جلب المهارات من الخارج بسرعة عبر مسار مخصص للمواهب التقنية، حيث تتم معالجة الطلبات في وقت قصير نسبياً.
- تصريح العمل ضمن استراتيجية المواهب التقنية: أطلقته وزارة الهجرة عام 2024، وهو يتيح للعاملين المؤهلين في شركات معينة الحصول على تصريح عمل معفى من شرط تقييم سوق العمل، مما يختصر الإجراءات ويجعل كندا أكثر جاذبية.
- انتقال الموظفين داخل الشركات متعددة الجنسيات: خيار يتيح للشركات التي لها فروع في كندا نقل موظفيها من دول أخرى بسهولة.
- نظام الدخول السريع (Express Entry): وهو النظام الأشهر للهجرة الدائمة، حيث يتم اختيار المهاجرين بناءً على معايير محددة تشمل الخبرة العملية، المؤهلات العلمية، المهارات اللغوية، والتخصصات المطلوبة في سوق العمل الكندي.
البعد الاقتصادي والاستراتيجي
من الواضح أن كندا لا تسعى فقط إلى سد احتياجات سوق العمل المحلي، بل إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار. قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في البلاد ينمو بوتيرة سريعة، ويتطلب كفاءات قادرة على مواكبة التطور. ومع الانكماش المحتمل في تدفق الكفاءات نحو الولايات المتحدة، ترى الحكومة الكندية أن الفرصة سانحة لبناء جسر جديد لجذب هذه الموارد البشرية.
ويرى محللون أن القرار الأميركي قد يضر بالشركات هناك على المدى الطويل، لكنه في المقابل قد يكون حافزاً لشركات التكنولوجيا الكندية لتعزيز مكانتها في السوق العالمية. كما أن استقطاب الكفاءات الأجنبية سيعزز من بيئة الابتكار في كندا، ويمنحها ميزة تنافسية في الاقتصاد الرقمي العالمي.
المصدر: cicnews.com.
مستقبل الخطة الكندية
حتى الآن، لم تكشف الحكومة الكندية عن تفاصيل دقيقة للخطة الجديدة، غير أن المؤشرات توحي بأنها ستكون مزيجاً من تحسين البرامج القائمة وتوسيع نطاقها، إضافة إلى تسهيلات إضافية قد تشمل منح تصاريح عمل أطول، أو إدماج أسرع للمهاجرين في برامج الإقامة الدائمة.
وفي ظل التوجهات العالمية التي تجعل من المنافسة على الكفاءات إحدى أبرز سمات الاقتصاد الحديث، تبدو كندا عازمة على استغلال الظرف الحالي لصالحها. وإذا ما تم تفعيل الإجراءات بسرعة، فإن السنوات المقبلة قد تشهد تحولاً لافتاً يجعل كندا وجهة أولى لأصحاب المهارات في مجالات التكنولوجيا والعلوم المتقدمة.
اقرأ أيضا: ألمانيا تعلن عن حاجتها إلى متطوعين لعام 2026: فرصة فريدة لمدة 12 شهر ممولة بالكامل
الأسئلة الشائعة
1. ما هي تأشيرة العمل H-1B الأميركية؟
هي تأشيرة تمنح للأجانب ذوي المهارات المتخصصة، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والهندسة والعلوم، وتعد وسيلة أساسية لدخول سوق العمل الأميركي.
2. لماذا رفعت الولايات المتحدة رسوم هذه التأشيرة؟
القرار يأتي ضمن سياسة تهدف إلى تقليل اعتماد السوق الأميركي على العمالة الأجنبية، وتشجيع توظيف الأميركيين، رغم الانتقادات الواسعة التي تؤكد أن هذا قد يضر بالابتكار.
3. كيف تستفيد كندا من هذا القرار؟
كندا ترى أن رفع الرسوم سيدفع العديد من الكفاءات للبحث عن بدائل، وهي تسعى لتكون الوجهة البديلة عبر برامج مرنة وسريعة لاستقطاب المواهب.
4. ما أبرز البرامج الكندية لجذب الكفاءات؟
تشمل برنامج العمال الأجانب المؤقتين، تصريح العمل الخاص بالمواهب التقنية، انتقال الموظفين داخل الشركات، ونظام الدخول السريع للإقامة الدائمة.
5. هل يمكن للمتخصصين في التكنولوجيا التقديم مباشرة للإقامة الدائمة في كندا؟
نعم، من خلال نظام Express Entry الذي يعتمد على نظام النقاط لتقييم المتقدمين، حيث يتم منح الأفضلية لأصحاب الخبرات العلمية والهندسية والمهارات اللغوية القوية.
6. ما المتوقع في المستقبل القريب؟
من المرجح أن تعلن كندا عن إجراءات إضافية تسهل جذب الكفاءات، وقد تشمل تبسيط مسارات الهجرة وتوفير دعم أكبر للشركات الباحثة عن موظفين مؤهلين.